كان الاقتصاد الصيني يعاني من تباطؤ حاد في النمو، وقد أكدت أحدث البيانات الحاجة إلى التدخل الفوري. وشهد الربع الثالث من عام 2024 أبطأ توسع اقتصادي في ستة أرباع، مع نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.6٪ على أساس سنوي. وهذا يجعل النمو الإجمالي للأشهر التسعة الأولى من عام 2024 يصل إلى 4.8٪، وهو ما يتأرجح عند الحد الأدنى من الهدف السنوي للحكومة البالغ حوالي 5٪.
وفي استجابة لهذه الأرقام، كشف البنك المركزي الصيني، بنك الشعب الصيني، عن تفاصيل تدابير التحفيز الجديدة المصممة لدعم أسواق رأس المال ومواجهة التباطؤ الاقتصادي. وحدد محافظ بنك الشعب الصيني بان جونج شنغ أسواق العقارات والأسهم كمجالات حاسمة تتطلب دعماً مستهدفاً لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، في إشارة إلى التزام الحكومة المستمر بتعزيز النمو.
إجراءات لتعزيز ثقة المستثمرين
لقد أعادت تدخلات بنك الشعب الصيني الأمل في التعافي الاقتصادي. فبعد وقت قصير من إصدار بيانات الناتج المحلي الإجمالي، قدم البنك المركزي تسهيلات إعادة الإقراض بهدف تمكين الشركات المدرجة وكبار المساهمين من إعادة شراء الأسهم، وهي الخطوة التي ساعدت في رفع معنويات السوق. وارتفع مؤشر CSI 300، الذي يتتبع أكبر الأسهم المحلية في الصين، بشكل حاد، حيث ارتفع بنسبة 3.2٪ بعد الإعلان.
كانت تعليقات بان جزءًا من حملة أوسع نطاقًا من جانب السلطات الصينية لطمأنة المستثمرين وإظهار أن بكين لا تزال ملتزمة بالوصول إلى هدف النمو. وعلقت جاكلين رونج، كبيرة خبراء الاقتصاد الصيني في بي إن بي باريبا، قائلة: "يبدو احتمال تحقيق الصين لهدف النمو الآن مرتفعًا للغاية". وأضافت أنه حتى التعافي المتواضع في الربع الرابع سيكون كافيًا لتحقيق هدف 5٪ لعام 2024.
علامات مبدئية على التحسن
ورغم أن النمو الإجمالي ظل ضعيفا، فقد أظهرت بعض المؤشرات الرئيسية علامات التعافي في سبتمبر/أيلول. فعلى سبيل المثال، شهدت مبيعات التجزئة زيادة بنسبة 3.2% على أساس سنوي، ارتفاعا من 2.1% في أغسطس/آب. ويعزى ارتفاع الاستهلاك إلى حد كبير إلى الإعانات الحكومية، وخاصة في قطاعات مثل الأجهزة المنزلية والسيارات. فقد ارتفعت مبيعات الأجهزة المنزلية بنسبة 21% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، مما يعكس تأثير تدابير التحفيز. كما نجحت مبيعات السيارات في كسر انخفاض دام ستة أشهر، بمساعدة الإعانات لشراء السيارات.
وبالإضافة إلى قطاع التجزئة، سجلت قطاعات أخرى نتائج أقوى. فقد انتعش الإنتاج الصناعي والاستثمار في الأصول الثابتة في سبتمبر/أيلول، وانخفض معدل البطالة إلى 5.1%، وهو أدنى مستوى له منذ يونيو/حزيران.
التحديات في سوق العقارات
وعلى الرغم من البيانات الأكثر تشجيعاً في بعض القطاعات، فإن سوق العقارات لا تزال تشكل مجالاً كبيراً للقلق. فقد واصلت أسعار المساكن الجديدة انخفاضها للشهر السادس عشر على التوالي، مما يشير إلى استمرار عدم الاستقرار. وكان قطاع العقارات، الذي يلعب دوراً كبيراً في الاقتصاد الصيني، أحد أكبر العوامل التي أعاقت النمو هذا العام. وقال شياوجيا تشي، كبير خبراء الاقتصاد الصيني في كريدي أجريكول: "لا يزال هناك نقص في الاستقرار في سوق العقارات"، مؤكداً على الحاجة إلى مزيد من الدعم السياسي في هذا القطاع الحيوي.
وقد أثار تباطؤ سوق العقارات تساؤلات حول ما إذا كانت التدابير الحالية كافية لاستعادة الثقة في هذا القطاع الحيوي. وفي حين تعهد المكتب السياسي، بقيادة الرئيس شي جين بينج، بتحقيق الاستقرار في سوق العقارات، فإن الشكوك لا تزال قائمة بشأن استعداد الحكومة لنشر أدوات مالية أكثر عدوانية، وخاصة في ضوء المخاوف بشأن ديون الحكومات المحلية.
دعم السياسات: التركيز على التنفيذ
يتفق خبراء الاقتصاد على أن السياسة الاقتصادية الصينية تقف عند مفترق طرق، حيث يعتمد الكثير على مدى نجاح المسؤولين المحليين في تنفيذ التحفيز المالي الذي تم تخصيصه. وقال تشانج شو وإريك تشو من بلومبرج إيكونوميكس: "نظرًا لقوة واتساع الاستجابة السياسية في الأسابيع الأخيرة، فمن المرجح أن يكون الاقتصاد قد وصل إلى أدنى مستوياته". وسوف ينصب التركيز الأساسي للحكومة الآن على ضمان تنفيذ الإنفاق المالي وفقًا للميزانية، وخاصة في قطاعات مثل البنية الأساسية والخدمات العامة التي يمكن أن تساعد في دفع الطلب.
ومع ذلك، تظل الضغوط الانكماشية مصدر قلق. فقد انخفض مقياس واسع النطاق للأسعار لستة أرباع متتالية، ويظل مؤشر أسعار المستهلك ضعيفا، مما يشير إلى استمرار مخاطر الانكماش. وقد يؤدي هذا الضغط إلى تآكل النمو إذا لم يتم معالجته من خلال تدابير التحفيز المستدامة التي تهدف إلى تعزيز الطلب الاستهلاكي.
التوقعات للربع الرابع
وبالنظر إلى المستقبل، يشعر معظم الخبراء بتفاؤل حذر بشأن الربع الأخير من عام 2024. وفي حين تظل التحديات قائمة، بما في ذلك الانكماش وعدم الاستقرار المستمر في العقارات، يبدو أن الموجة الأخيرة من التحفيز والدعم السياسي تمهد الطريق لتحسين الأداء الاقتصادي. وقال لاري هو، رئيس قسم الاقتصاد الصيني في مجموعة ماكواري المحدودة: "سيكون أداء الاقتصاد أفضل في الربع الرابع في ضوء تدابير التحفيز الجديدة".
ولكن الطريق إلى التعافي ما زال بعيداً عن الضمان. فلكي تتمكن الصين من الحفاظ على النمو المستدام بعد عام 2024، فسوف تحتاج إلى مواصلة التنقل في المشهد المعقد المتمثل في مخاطر الديون المحلية، والاقتصاد العالمي الراكد، والتحديات المستمرة في أسواقها المحلية.
ومن المتوقع الآن أن تدرس القيادة الصينية اتخاذ تدابير إضافية تتعلق بالميزانية والديون لتمويل الإنفاق العام، ومن المقرر عقد اجتماع حكومي حاسم في وقت لاحق من هذا الشهر. ومع تقارب السياسات المالية والنقدية، فإن الربع الرابع من العام سوف يكون بمثابة اختبار محوري لفعالية استراتيجية التحفيز الصينية في مواجهة بيئة عالمية صعبة.
موازنة التحديات والحوافز
ورغم أن تدابير التحفيز الأخيرة التي اتخذتها الصين قدمت شريان حياة لأسواقها المتعثرة، فإن تحديات كبيرة لا تزال قائمة. وسوف تعتمد قدرة الحكومة على تحقيق هدفها في تحقيق النمو على مدى قدرتها على معالجة القضايا في قطاعات رئيسية مثل العقارات، مع إدارة مخاطر الديون المحلية والانكماش. ومع استعداد الصين للمرحلة الأخيرة من العام، سوف ينصب التركيز على ضمان تنفيذ هذه السياسات بدقة، وإبقاء الاقتصاد على المسار الصحيح نحو التعافي.