في عالم اليوم سريع الخطى، يكتسب مفهوم أسبوع العمل المكون من أربعة أيام اهتمامًا سريعًا. ومع استكشاف المزيد من الشركات والدول لإمكانيات تقصير أسبوع العمل من الأيام الخمسة التقليدية، يثير هذا أسئلة رئيسية حول الإنتاجية ورفاهية الموظفين والتأثير الأوسع على الاقتصاد. هل أسبوع العمل المكون من أربعة أيام حل قابل للتطبيق لكل من أصحاب العمل والموظفين، أم أنه مجرد حلم طوباوي؟
الحجة لصالح أسبوع عمل من أربعة أيام
يزعم أنصار أسبوع العمل المكون من أربعة أيام أن هذا النظام يوفر مجموعة من المزايا التي تلبي احتياجات القوى العاملة الحديثة. ومن أهم هذه المزايا:تحسين التوازن بين العمل والحياة مع يوم إجازة إضافي، يكون لدى الموظفين مزيد من الوقت للراحة وإعادة شحن طاقاتهم والاهتمام بأمورهم الشخصية، مما يؤدي إلى تقليل التوتر والإرهاق. وهذا بدوره يمكن أن يعزز الإنتاجية خلال أيام عمل الموظفين. في الواقع، أظهرت العديد من الدراسات أن تقليل ساعات العمل لا يقلل بالضرورة من الإنتاج؛ حيث يميل الموظفون إلى التركيز بشكل أفضل عندما يكون لديهم وقت أقل لإكمال مهامهم.
بالإضافة إلى ذلك، يرتبط أسبوع العمل المختصر أيضًا بـارتفاع مستوى رضا الموظفين والاحتفاظ بهم وقد أفادت العديد من الشركات، مثل مايكروسوفت اليابان وبيربيتوال جارديان النيوزيلندية، التي جربت أسبوع العمل المكون من أربعة أيام، بأن موظفيها أصبحوا أكثر سعادة وانخراطًا في العمل، مما أدى إلى انخفاض معدلات دوران العمالة. ويتماشى هذا النهج بشكل جيد مع الطلب المتزايد من الأجيال الأصغر سنًا، وخاصة جيل الألفية والجيل زد، الذين يعطون الأولوية للمرونة والرفاهية على هياكل العمل التقليدية.
علاوة على ذلك، هناكالفوائد البيئية والمجتمعية إن تقليل أيام التنقل من شأنه أن يقلل من الازدحام المروري والتلوث والبصمة الكربونية الإجمالية للشركات. ومع قضاء عدد أقل من الأيام في المكتب، يمكن للشركات أيضًا توفير تكاليف التشغيل، مثل الكهرباء والمياه وحتى الإيجار إذا كان عدد الموظفين في الموقع أقل.
التحديات والانتقادات
وعلى الرغم من المزايا الواضحة، إلا أن هناك تحديات تواجه تنفيذ أسبوع عمل مكون من أربعة أيام في جميع الصناعات.ليس كل قطاع قادر على التكيف بسهولة مع هذا النموذج —قد تجد الصناعات التي تعتمد على خدمة العملاء والرعاية الصحية وغيرها من الخدمات الأساسية صعوبة في توفير خدمة على مدار الساعة مع عدد أقل من أيام العمل. وبالنسبة لهذه الشركات، قد يتطلب أسبوع العمل المكون من أربعة أيام عمل متناوبًا، وهو ما قد يعقد الجدول الزمني ويزيد من التكاليف الإدارية.
وهناك أيضا القلق منالإفراط المحتمل في العمل في بعض الحالات، قد يؤدي ضغط نفس مقدار العمل في أربعة أيام إلى ساعات عمل أطول أو أيام عمل أكثر كثافة، مما ينفي فوائد يوم إجازة إضافي. وقد يكون هذا غير منتج، مما يؤدي إلى إرهاق الموظفين وإجهادهم.
ويشعر أصحاب العمل أيضًا بالقلق بشأن التأثير علىثقافة الشركة والتعاون يعتقد بعض المديرين أن تقليل عدد الأيام التي يقضيها الموظفون في المكتب قد يضعف تماسك الفريق أو يحد من فرص تبادل الأفكار وحل المشكلات وجهاً لوجه. وقد يؤدي الخوف من تقليل الوقت الذي يقضونه في العمل إلى تردد بعض المديرين التنفيذيين في تبني هذا النموذج، وخاصة في الصناعات التي يزدهر فيها التعاون والإبداع في بيئات العمل الجماعية.
الاتجاهات العالمية ودراسات الحالة
وعلى الرغم من التحديات المحتملة، فقد اتخذت العديد من البلدان والشركات خطوة نحو أسبوع عمل من أربعة أيام، مع نتائج واعدة. ففي أيسلندا، أجريت واحدة من أكبر التجارب في العالم لتقليص ساعات العمل بين عامي 2015 و2019. وشملت الدراسة أكثر من 2500 عامل، وكانت النتائج إيجابية بشكل ساحق. وأفاد العمال بانخفاض مستويات التوتر وتحسن الصحة وتحسين التوازن بين العمل والحياة، في حين ظلت الإنتاجية ثابتة أو زادت في كثير من الحالات. ونتيجة لذلك، انتقل جزء كبير من القوى العاملة الأيسلندية الآن إلى ساعات عمل أقصر.
وقد أظهرت تجارب مماثلة في إسبانيا والمملكة المتحدة نتائج إيجابية بنفس القدر. ففي المملكة المتحدة، كشف برنامج تجريبي بدأ في منتصف عام 2022 أن ما يقرب من 9 من كل 10 شركات شاركت في التجربة كانت راضية عن النتائج، حيث اختارت معظمها الاستمرار في أسبوع العمل المكون من 4 أيام حتى بعد انتهاء التجربة.
الشركات الكبرى تأخذ هذا الأمر بعين الاعتبار أيضًا وقد أجرت شركة يونيليفر العالمية للسلع الاستهلاكية تجربة في نيوزيلندا، حيث عرضت على موظفيها أسبوع عمل من أربعة أيام دون خفض الأجور. ولم تسجل الشركة أي خسارة في الإنتاجية، وهي تفكر الآن في توسيع النموذج ليشمل مناطق أخرى. وتشير هذه الحالات إلى أنه في ظل الهيكل والعقلية المناسبين، قد يكون أسبوع العمل الأقصر ممكناً حتى بالنسبة للشركات العالمية الكبرى.
ماذا يحمل المستقبل
إن الدفع باتجاه أسبوع عمل مكون من أربعة أيام لا يتعلق فقط بتقليص ساعات العمل من أجل ذلك فحسب، بل يتعلق أيضًا بـإعادة التفكير في الطريقة التي نعمل بها مع استمرار التقدم التكنولوجي وتلاشي الحدود بين العمل والحياة، فإن أسبوع العمل التقليدي من التاسعة صباحًا إلى الخامسة مساءً لمدة خمسة أيام قد لا يخدم المصالح الفضلى لأصحاب العمل أو الموظفين. تشير مجموعة متزايدة من الأدلة إلى أنه من خلال التخطيط المدروس، يمكن لأسبوع العمل المكون من أربعة أيام أن يحسن الإنتاجية ويعزز رفاهية الموظفين ويخلق ثقافة عمل أكثر استدامة.
ورغم استمرار التحديات، فمن المرجح أن تؤدي التجارب المستمرة لتقصير أسابيع العمل في مختلف أنحاء العالم إلى إيجاد حلول أكثر ملاءمة لمختلف الصناعات والشركات. والمفتاح هنا هو المرونة ــ السماح للشركات بتكييف النموذج مع احتياجاتها المحددة مع إبقاء رفاهية الموظفين في طليعة استراتيجياتها.
في نهاية المطاف، تكمن جدوى أسبوع العمل المكون من أربعة أيام فيكيف تصبح الشركات مستعدة لتغيير تفكيرها من "ساعات العمل" إلى "القيمة المقدمة". بالنسبة لأولئك الراغبين في اتخاذ هذه القفزة، فإن المكافآت قد تكون كبيرة: قوة عاملة أكثر سعادة وأكثر انخراطا، وابتكار أعظم، وربما حتى معيار جديد لمستقبل العمل.