مرض باركنسون هو مصدر قلق متزايد للصحة العامة في جميع أنحاء العالم. منذ مطلع القرن، تضاعف انتشاره، ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، تسبب المرض في 329000 حالة وفاة في عام 2019 - وهي زيادة مذهلة بنسبة 100٪ في عقدين فقط. عوامل الخطر الأساسية هي الشيخوخة والجينات، ومع استمرار تقدم سكان العالم في السن، من المتوقع أن ترتفع حالات مرض باركنسون والوفيات بشكل كبير.
إن الصراع مع مرض باركنسون يشكل قضية شخصية عميقة بالنسبة للعديد من الناس. فبالنسبة لمارت سارما، عالم الأعصاب وأستاذ في جامعة هلسنكي، فقد تأثر بشدة عندما تم تشخيص إصابة عمه بهذا المرض. فقد شاهد سارما حالة عمه تتدهور ببطء، وتحولت شخصيته النابضة بالحياة إلى شخص لا يمكن التعرف عليه. وكان من المحزن أن نشهد ذلك، وخاصة عندما اتصل عمه، غير قادر على التعرف على سارما، بالشرطة ذات مرة، معتقدًا أن غريبًا اقتحم منزله. وتوضح مثل هذه اللحظات بشكل صارخ الضريبة التي يفرضها هذا المرض - ليس فقط جسديًا ولكن عاطفيًا - على المرضى وأسرهم.
يقول سارما: "لقد أدرك الناس مدى أهمية مكافحة السرطان، وبفضل ذلك، بدأنا في الحصول على أول أدوية فعالة لعلاج السرطان. ولكن لسوء الحظ، لم يكن هذا هو الحال مع الأمراض العصبية التنكسية".
إن العواقب واضحة. إذ يؤثر مرض باركنسون الآن على ما بين 10 إلى 12 مليون شخص على مستوى العالم، ومن المتوقع أن يتضاعف هذا الرقم خلال العشرين عامًا القادمة. ويؤكد سارما على ضرورة التعامل مع هذا التهديد بجدية، لأنه يشكل تحديًا كبيرًا ومتزايدًا للمجتمعات الغربية.
أمل جديد: النضال من أجل التمويل والابتكار في العلاج
وعلى الرغم من تزايد انتشار هذا المرض، فإن التمويل المخصص لأبحاث الأمراض العصبية التنكسية تأخر، وخاصة بالمقارنة بالسرطان. ومع ذلك، فإن الوعي بهذا المرض آخذ في الازدياد، وكذلك الاستثمار. ففي العام الماضي، حصلت شركة جينكود للأدوية، حيث يعمل سارما كرئيس قسم العلوم، على تمويل قياسي بلغ 16 مليون يورو من برنامج تسريع مجلس الابتكار الأوروبي. وتخصص هذه الأموال لتطوير عقار رائد لعلاج التنكس العصبي لدى مرضى باركنسون.
في محادثة حديثة معالتفكير الحر أعرب سارما عن تفاؤل حذر بشأن إمكانات الدواء. تشير الأدلة الأولية إلى أنه على عكس العلاجات الحالية، قد لا يخفف هذا الدواء الجديد الأعراض فحسب، بل يحمي الخلايا العصبية أيضًا من المزيد من الضرر، وربما حتى يعيدها إلى حالتها الطبيعية.
تحدي موت الخلايا العصبية
ولكن لماذا كان التقدم في علاج مرض باركنسون بطيئا إلى هذا الحد؟ أحد الأسباب هو تعقيد الدماغ. إذ يضم الدماغ البشري نحو مائة مليار خلية عصبية، وكل منها يشكل آلاف الاتصالات الفريدة مع الخلايا العصبية الأخرى، مما يخلق شبكة من الاتصالات الضرورية لوظائف الدماغ. وعلى النقيض من العديد من الخلايا الأخرى في الجسم، لا تتجدد الخلايا العصبية. وبمجرد موت الخلية العصبية، تختفي إلى الأبد.
في مرض باركنسون، تبدأ الخلايا العصبية في المادة السوداء، وهي بنية تقع في منتصف الدماغ، في الموت. تنتج هذه الخلايا العصبية الدوبامين، وهو ناقل عصبي حيوي للتحكم في الحركة والوظائف الجسدية الأخرى. عندما تنخفض مستويات الدوبامين، يتعثر التوازن المعقد بين تنسيق الدماغ والجسم. وينتج عن هذا الرعشة والتشنجات والتصلب المألوف الذي يصيب مرضى باركنسون، ولكنه قد يؤدي أيضًا إلى أعراض أخرى مثل الأرق والاكتئاب وحتى الخرف.
يشبه سارما الدوبامين بقائد الأوركسترا السيمفونية. فعندما تكون مستويات الدوبامين مستقرة، تعمل حركات الجسم ووظائفه في انسجام. لكن مرض باركنسون يحرم الدماغ من قائده، مما يجعل هذه السيمفونية في حالة من الفوضى.
ليفودوبا والحاجز الدموي الدماغي
العلاج الأكثر شيوعا لمرض باركنسون هو ليفودوبا، وهو دواء يعيد ملء مخزون الدوبامين في الدماغ. ورغم أنه قد يساعد في إدارة الأعراض، فإنه لا يمنع المزيد من التنكس العصبي. وعلاوة على ذلك، فإن له سلبياته، بما في ذلك الآثار الجانبية مثل الغثيان. ومن بين الأسباب التي تجعل خيارات العلاج محدودة للغاية حاجز الدم في الدماغ، وهو درع واق يمنع المواد الغريبة - بما في ذلك الأدوية التي قد تنقذ الحياة - من دخول الدماغ.
يقول سارما: "لا يمكن لأي من الأدوية المتاحة إبطاء أو إيقاف انحلال وموت هذه الخلايا العصبية". ويوضح أن التحدي يكمن في تطوير علاجات قادرة على اختراق حاجز الدم في الدماغ ووقف تقدم التنكس العصبي.
نهج واعد: العوامل العصبية وGDNF
وقد ركزت بعض العلاجات على العوامل العصبية، وهي البروتينات التي تساعد الخلايا العصبية على البقاء من خلال تنشيط آليات الحماية. وقد أظهرت أبحاث سارما نتائج واعدة باستخدام بروتين محدد يسمى GDNF، والذي ثبت أنه يعكس مرض باركنسون في النماذج الحيوانية. ومع ذلك، فإن هذه البروتينات كبيرة جدًا بحيث لا تمر عبر حاجز الدم في الدماغ، مما يعني أنه يجب إدخالها مباشرة إلى الدماغ من خلال الجراحة - وهو إجراء محفوف بالمخاطر ويتطلب تدخلاً جراحيًا.
وتعمل شركة جينكود على تطوير حل لهذه المشكلة. ويتمثل الدواء الذي طورته الشركة في "محاكي عامل التغذية العصبية المشتق من الخلايا الدبقية"، والذي يحاكي تأثيرات العوامل العصبية مع كونه صغيراً بما يكفي لاجتياز حاجز الدم في المخ. ومن الممكن أن يسمح هذا بالتدخل المبكر، مما يمنح المرضى فرصة أفضل للحفاظ على جودة حياة أعلى لفترة أطول.
الطريق إلى الاختراق
ورغم أن النتائج الأولية للدراسات التي أجريت على الحيوانات كانت واعدة، فإن تطوير الدواء عملية طويلة وشاقة. وتقترب شركة جينكود من نهاية تجاربها على الحيوانات، وبعد ذلك سوف يخضع الدواء لدراسات السموم والتجارب السريرية على البشر.
ويظل سارما عملياً فيما يتصل بالطريق الذي ينتظره. ورغم أن الدواء يبدو واعداً للغاية، فإن تعقيد الدماغ البشري يعني أن النجاح غير مضمون. ومع ذلك، يظل سارما متفائلاً بأن هذا وغيره من الجهود التعاونية سوف تدفع حدود علاج مرض باركنسون وتمنح المرضى المزيد من الأمل أكثر من أي وقت مضى.
وحتى لو لم ينجح عقار جينكود في نهاية المطاف، فإن الدروس المستفادة من هذا التعاون الدولي، الذي يشمل مختبرات في مختلف أنحاء أوروبا والولايات المتحدة، سوف تساهم بلا شك في المعركة المستمرة ضد هذا المرض المنهك.
كما يقول سارما: "المجال لا نهاية له، ولكن حياتي محدودة، كما هي حياتنا جميعًا. ولكن عليك أن تفعل ما بوسعك في وقتك".
ويشكل ارتفاع معدلات الإصابة بمرض باركنسون تحدياً بالغ الأهمية، ولكن مع وجود باحثين مثل سارما وشركات مثل جينكود في المقدمة، هناك أمل في أن يجلب عصر جديد من العلاجات أخيراً الراحة لملايين المرضى في جميع أنحاء العالم.