قد يؤدي تطور رائد في علاج مرض السكري إلى تسهيل إدارة مستويات السكر في الدم بالنسبة لملايين الأشخاص في جميع أنحاء العالم. فقد صمم العلماء شكلاً جديدًا من الأنسولين يتم تنشيطه أو إيقافه تلقائيًا بناءً على مستويات الجلوكوز في الدم، مما يخفض نسبة السكر في الدم بشكل فعال مع منع الانخفاض الخطير. وقد أظهر هذا الأنسولين "الذكي"، المسمى NNC2215، نجاحًا ملحوظًا في الدراسات على الحيوانات، مما يمثل خطوة مهمة إلى الأمام في رعاية مرضى السكري.
بالنسبة لحوالي 422 مليون شخص مصاب بمرض السكري على مستوى العالم، فإن الحفاظ على مستويات السكر في الدم تحت السيطرة يمثل تحديًا يوميًا. الأنسولين، الهرمون المسؤول عن تنظيم نسبة السكر في الدم، ضروري لمنع المضاعفات مثل أمراض القلب والأوعية الدموية وتلف الكلى والعمى والسكتة الدماغية. ومع ذلك، فإن الجانب السلبي لعلاج الأنسولين هو الخطر المستمر للتعويض الزائد - حيث يمكن أن يؤدي إعطاء الكثير من الأنسولين إلى نقص سكر الدم، وهي حالة ينخفض فيها سكر الدم إلى مستويات منخفضة للغاية. يمكن أن يؤدي نقص سكر الدم الشديد إلى نوبات أو فقدان الوعي أو حتى الموت. حتى النوبات الأخف يمكن أن تسبب الارتباك والقلق وتدهور نوعية الحياة، وخاصة بالنسبة لأولئك المصابين بداء السكري من النوع الأول، والذين يحتاجون إلى حقن الأنسولين المستمرة.
ويؤكد مايكل فايس، وهو عالم كيمياء حيوية وطبيب في جامعة إنديانا، على الضرر الذي قد يلحقه تقلب نسبة السكر في الدم. ويقول: "يعاني مرضى السكري من انخفاض نسبة السكر في الدم عدة مرات في الأسبوع. وهذا يؤثر سلباً على نوعية الحياة".
التحدي: التحكم في مستويات الأنسولين بأمان
على مدى عقود من الزمان، سعى الباحثون إلى ابتكار نظام لتوصيل الأنسولين يتكيف تلقائياً مع مستويات الجلوكوز المتقلبة. وتعتمد الأساليب الحالية على مضخات الأنسولين أو الحقن، ولكنها تتطلب مراقبة مستمرة من قِبَل المريض. وقد استكشفت بعض الأساليب استخدام مركبات تطلق الأنسولين استجابة لارتفاع مستويات الجلوكوز. ومع ذلك، فإن هذه الأنظمة تعاني من قيد كبير: فبمجرد إطلاق الأنسولين، لا توجد طريقة لسحب أو إيقاف تأثيره.
ولمعالجة هذه المشكلة، نجح فريق بقيادة ريتا سلابي، العالمة الرئيسية في شركة نوفو نورديسك، في تطوير جزيء إنسولين قادر على التشغيل أو الإيقاف بناءً على تركيزات الجلوكوز. ويكمن الابتكار في التصميم الجزيئي للأنسولين نفسه، والذي يتضمن آلية حساسة للجلوكوز تتحكم في نشاطه.
كيف يعمل الأنسولين "الذكي"
تم تجهيز الأنسولين الجديد، NNC2215، بمفتاح حساس للجلوكوز. يتضمن هذا المفتاح بنية على شكل حلقة تسمى حلقة كبيرة، مقترنة بجزيء مشتق من الجلوكوز يُعرف باسم الجلوكوزيد. عندما تكون مستويات الجلوكوز في الدم منخفضة، يرتبط الجلوكوزيد بالدورة الكبيرة، مما يبقي الأنسولين في حالة غير نشطة. ومع ارتفاع مستويات الجلوكوز، يحل السكر محل الجلوكوزيد، مما ينشط الأنسولين لتنظيم نسبة السكر في الدم. يسمح هذا النظام القابل للعكس للأنسولين بالاستجابة بشكل ديناميكي لاحتياجات الجسم، مما يضمن خفض نسبة السكر في الدم عند الضرورة ولكن ليس بشكل مفرط.
وفي التجارب التي أجريت على الخنازير والجرذان، أظهر عقار NNC2215 فعالية مماثلة للأنسولين العادي في خفض مستويات الجلوكوز في الدم. ومن المهم أيضاً أنه منع الانخفاض الحاد في نسبة السكر في الدم الذي غالباً ما يرتبط بعلاجات الأنسولين التقليدية، مما يجعله عاملاً محتملاً لتغيير قواعد اللعبة في إدارة مرض السكري.
وأشاد ديفيد ساكس، الكيميائي السريري في المعاهد الوطنية للصحة، بتصميم الدراسة ونتائجها. وقال: "من المؤكد أن هذا النهج يستحق المتابعة". إن NNC2215 هو أول جزيء إنسولين يظهر أنه حساس بشكل خاص للجلوكوز، مما يوفر استجابة مستهدفة في الوقت الفعلي لتغيرات سكر الدم.
مستقبل واعد للأنسولين الذكي
ورغم أن النتائج الأولية للدراسة واعدة، إلا أن هناك تساؤلات حول كيفية أداء الجزيء في بيئات أكثر تحكماً وواقعية. فقد شملت التجارب نطاقاً واسعاً من مستويات الجلوكوز، أوسع من تلك التي يعاني منها عادة الأفراد المصابون بمرض السكري. وسوف تحتاج دراسات أخرى إلى تأكيد فعالية NNC2215 في إدارة نطاقات الجلوكوز الضيقة التي نراها لدى البشر.
إن السلامة والتكلفة وسهولة الإنتاج هي عوامل أخرى ستحدد ما إذا كان هذا الأنسولين الجديد يمكن أن يصل إلى السوق. ووفقًا لـ Zhen Gu، مهندس الطب الحيوي في جامعة Zhejiang، فإن هذه التحديات ليست مستعصية على الحل، وتعمل فرق بحثية أخرى - بما في ذلك فريقه الخاص - على أنظمة الأنسولين الذكية المماثلة.
أشارت شركة نوفو نورديسك إلى أن الأبحاث المتعلقة بـ NNC2215 لا تزال جارية، وهناك حاجة إلى المزيد من العمل لتحسين الجزيء للاستخدام العملي. ومع ذلك، فإن نجاح هذه الدراسة في مرحلة مبكرة يمثل إنجازًا مهمًا في السعي إلى إيجاد علاجات أكثر ذكاءً للأنسولين.
عصر جديد لعلاج مرض السكري بشكل شخصي
وبالإضافة إلى جهود شركة نوفو نورديسك، يعمل فايس وزملاؤه أيضاً على تطوير الأنسولين الذي يتمتع بخواص تستجيب للجلوكوز، بهدف نهائي يتمثل في ابتكار مجموعة من عقاقير الأنسولين الذكية. وقد يسمح هذا بوضع خطط علاجية فردية، حيث يصمم الأطباء علاجات الأنسولين وفقاً لاحتياجات المريض وأسلوب حياته.
إن الإمكانات التي يوفرها الأنسولين الذكي تحولية، إذ يمنح مرضى السكري إمكانية التحكم بشكل أكثر دقة في مستويات السكر في الدم دون الحاجة إلى المراقبة المستمرة وخطر الإصابة بنقص السكر في الدم. ومع استمرار البحث، قد يؤدي هذا الابتكار إلى إحداث ثورة في إدارة مرض السكري، وتحسين نوعية الحياة لملايين الأشخاص في جميع أنحاء العالم.
4O