اختارت سنغافورة الإبقاء على إعدادات سياستها النقدية دون تغيير، مخالفة بذلك الاتجاه العالمي لتخفيف السياسة النقدية حيث أظهر اقتصاد الدولة المدينة نموًا قويًا في الربع الثالث من عام 2024. قررت هيئة النقد في سنغافورة (MAS)، التي تدير السياسة النقدية من خلال سعر الصرف بدلاً من أسعار الفائدة، الحفاظ على منحدر وعرض ومركز نطاق عملة الدولار السنغافوري. يساعد هذا النهج في الحد من الضغوط التضخمية المستوردة من خلال إبقاء العملة المحلية على مسار تقديري تدريجي.
وفي بيانها الصادر يوم الاثنين، أكدت هيئة النقد السنغافورية أن "المخاطر التي تهدد آفاق التضخم في سنغافورة أصبحت أكثر توازناً مقارنة بما كانت عليه قبل ثلاثة أشهر". وأشارت إلى أن إعدادات السياسة الحالية تظل متسقة مع استقرار الأسعار في الأمد المتوسط. وفي أعقاب الإعلان، ارتفع الدولار السنغافوري قليلاً، ليتداول عند 1.3060 مقابل الدولار الأميركي في الساعة 9:09 صباحاً بالتوقيت المحلي.
مسار مختلف عن أقراننا العالميين
إن قرار هيئة النقد السنغافورية يتناقض مع الإجراءات السياسية التي اتخذتها البنوك المركزية الكبرى الأخرى، والتي اختار العديد منها تخفيضات حادة في أسعار الفائدة استجابة لتباطؤ التضخم. ففي الاجتماعات الأخيرة، سعى صناع السياسات في الولايات المتحدة ونيوزيلندا وغيرهما من الأسواق المتقدمة إلى تخفيضات كبيرة في أسعار الفائدة، وكثيراً ما خفضوا أسعار الفائدة بنحو 50 نقطة أساس، مع تخفيف الضغوط التضخمية. ومع ذلك، فإن ديناميكيات التضخم في سنغافورة، والتي تحركها إلى حد كبير واردات السلع الأساسية، لم تشهد بعد تباطؤاً مماثلاً.
قالت سيلينا لينج، كبيرة الاقتصاديين في مؤسسة أوفرسيز تشاينيز بانكينج كوربوريشن (OCBC)، إن "النبرة العامة ليست متشائمة على الإطلاق". وأشارت إلى أن هيئة النقد في سنغافورة لا تزال لديها مخاوف بشأن ارتفاع تكاليف العمالة، وهو ما قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار في قطاع الخدمات، على الرغم من الحفاظ على توقعات التضخم الأساسي عند 2% لعام 2025.
لقد أبقت هيئة النقد السنغافورية معاييرها لسعر الصرف الفعلي الاسمي للدولار السنغافوري ثابتة على مدار العام الماضي. ويدير البنك المركزي العملة من خلال تعديل وتيرة ارتفاعها أو انخفاضها مقابل سلة من العملات من الشركاء التجاريين الرئيسيين لسنغافورة. ومع ذلك، فإن تفاصيل سلة العملات والنطاق ومعدل التعديل لا تزال غير معلنة.
تسارع نمو اقتصاد سنغافورة
إلى جانب قرار السياسة النقدية، أظهرت بيانات وزارة التجارة والصناعة أن اقتصاد سنغافورة اكتسب زخمًا في الربع الثالث، بقيادة النمو في قطاعي التصنيع والبناء. نما الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.1% عن الربع السابق، وتوسع بنسبة 4.1% على أساس سنوي، متجاوزًا توقعات خبراء الاقتصاد بنمو بنسبة 3.8%.
وتظل هيئة النقد السنغافورية متفائلة بشأن آفاق الاقتصاد في سنغافورة، حيث تتوقع نمو الناتج المحلي الإجمالي بالقرب من الحد الأعلى لنطاق هدفها الذي يتراوح بين 2% و3% لعام 2024. كما تتوقع أن تغلق فجوة الناتج السلبي في الاقتصاد بحلول نهاية عام 2024، مما يشير إلى أن الاقتصاد سيعمل بشكل أقرب إلى إمكاناته الكاملة.
وذكرت هيئة النقد السنغافورية أن "الاقتصاد السنغافوري من المتوقع أن يتوسع في العام المقبل بمعدل قريب من معدله المحتمل". ومع ذلك، حذرت من أن هناك حالة من عدم اليقين الكبيرة لا تزال قائمة، بما في ذلك التوترات الجيوسياسية، وتحولات السياسة الاقتصادية الكلية العالمية، واستدامة الارتفاع الأخير في تصنيع الإلكترونيات.
مخاطر التضخم والتوقعات المستقبلية
ورغم أن التضخم قد تراجع إلى حد ما خلال عام 2024، فإنه يظل مرتفعا، وخاصة في مجالات مثل الغذاء والوقود. فقد ارتفع مؤشر التضخم الأساسي لهيئة النقد السنغافورية، الذي يستبعد تكاليف الإقامة والنقل الخاص، إلى 2.7% في أغسطس/آب، متجاوزا التقديرات. ورغم أن البنك المركزي ليس لديه هدف محدد للتضخم، فقد أشار إلى أن التضخم الأساسي الذي يقل قليلا عن 2% يتفق مع استقرار الأسعار في الأمد البعيد.
وفي أحدث بيان لها، أكدت هيئة النقد السنغافورية أن زخم التضخم الأساسي من المتوقع أن يظل محصورا في الربع الرابع من عام 2024، ومن المرجح أن ينهي التضخم العام عند حوالي 2%. ومع ذلك، يراقب خبراء الاقتصاد عن كثب علامات تخفيف الضغوط التضخمية. ووفقا لتامارا ماست هندرسون، الخبيرة الاقتصادية في بلومبرج، "إذا تراجعت المخاطر الصعودية للتضخم من التوترات في الشرق الأوسط والتعريفات الجمركية الأمريكية، نعتقد أن هيئة النقد السنغافورية ستخفف إعداداتها الصارمة في اجتماعها المقبل في يناير".
رياح معاكسة تلوح في الأفق على الصعيد العالمي
ورغم أن اقتصاد سنغافورة أظهر مرونة، فإن العديد من العوامل الخارجية قد تؤثر على مسار نموه. فالصراعات الجيوسياسية والتجارية المستمرة، ووتيرة التيسير النقدي العالمي، والتوقعات غير المؤكدة لصناعة الإلكترونيات العالمية تشكل مخاطر. ومع ذلك، فإن السياسة النقدية الثابتة في سنغافورة تعكس الثقة في قدرة الأمة على التعامل مع هذه التحديات مع الحفاظ على الاستقرار.
وبينما تواصل هيئة النقد في سنغافورة التركيز على إدارة التضخم ودعم النمو الاقتصادي، فإن قرارها بالحفاظ على إعدادات السياسة الحالية يؤكد على النهج الفريد الذي تنتهجه المدينة الدولة في إدارة السياسة النقدية، مع إعطاء الأولوية لاستقرار العملة في بيئة عالمية مضطربة.